ما حكم الإسلام في مسألة تقليد الكفار في عاداتهم
وتصرفاتهم ؟ وما ضوابط ذلك في الشريعة الإسلامية ؟ وهل كل تقليد لعمل من
أعمال الكفار يعد تقليدا محرماً - علماً بأن هناك كثيرا من أعمال الكفار لا
حرمة ولا ذم للشرع فيها ، ولا يقصد فاعلها مجرد التقليد للكفار ، وإنما
وجدها حسنة ، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه : " ما رآه المسلمون حسناً
فهو عند الله حسن " - ؟ .
أفيدونا أكرمكم الله ، مع تركيزي على أن تفصلوا لي في الإجابة ، وذكر الضوابط لهذه المسألة.
الحمد لله
أولاً : ليس المسلمون بحاجة لتقليد أحدٍ من الأمم في شعائر الدين
والعبادات ، فقد أكمل الله تعالى دينه ، وأتمَّ نعمته ، ورضي لنا الإسلام ديناً ،
قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً ) المائدة/3
وقد نهى الشرعُ المسلمين عن تقليد الكفار وبخاصة اليهود والنصارى
، وهذا النهي ليس عامّاً في كل أمورهم ، بل هو فيما كان من أمور دينهم وشعائرهم
وخصائصهم التي يتميزون بها .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً
بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ، قُلْنَا : يَا
رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ ) رواه البخاري (
1397 ) ومسلم ( 4822 ) .
ففي هذا الحديث نهيٌ عن تقليد اليهود والنصارى ، وذم من اتبعهم
وسلك مسلكهم ، وقد أكد الشرع هذا النهي ؛ وذلك بوصف من يتشبه بالكفار بأنه منهم .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ( 3512 ) وصححه الشيخ
الألباني في " إرواء الغليل " ( 2691 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره
يقتضي كفر المتشبِّه بهم . " اقتضاء الصراط المستقيم " ( 237 ) .
والمقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص ، ويتحلى بالانهزامية والتردي
، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه ، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام
، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ ، وأنهم تركوا ما
هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد .
ثانياً :
وأوجه تقليدهم التي نهينا عنها كثيرة :
قال الشيخ صالح الفوزان :
ومن الأمور التي يجري تقليد الكفار فيها : تقليدهم في أمور
العبادات، كتقليدهم في الأمور الشركية من البناء على القبور، وتشييد المشاهد عليها
والغلو فيها. وقد قال صلى الله عليه وسلم " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجد " - البخاري ( 425 ) ، ومسلم ( 531 ) -
، وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه الصور ،
وأنهم شرار الخلق - البخاري ( 417 ) ، ومسلم ( 528 ) - ، وقد
وقع في هذه الأيام من الشرك الأكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص
والعام ؛ وسبب ذلك : تقليد اليهود والنصارى .
ومن ذلك : تقليدهم في الأعياد الشركية والبدعية كأعياد الموالد -
كمولد الرسول صلى الله عليه وسلم - وأعياد موالد الرؤساء والملوك. وقد تسمى هذه
الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع – كاليوم الوطني للبلاد ، ويوم
الأم وأسبوع النظافة – وغير ذلك من الأعياد اليومية والأسبوعية، وكلها وافدة على
المسلمين من الكفار؛ وإلا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى. وما
عداهما فهو بدعة وتقليد للكفار .
من خطبة " الحث على مخالفة الكفار "
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (
47060 ) النهي عن التشبه بالكفار في
لباسهم الخاص بهم ، وفي ما اختصوا به من العادات كمشابهتهم في حلق اللحية .
ثالثاً :
وتحريم التشبه بالكفار إنما هو في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم
التي يتميزون بها ، دون ما يصنعونه ويخترعونه مما يمكن أن يُستفاد منه ، فلا حرج
على المسلمين من مشاركتهم في هذا ، بل ينبغي للمسلمين أن يكونوا السباقين إليه
والمبدعين فيه .
قال الشيخ ابن عثيمين :
وإذا قيل " تَشَبُّهٌ بالكفار " فلا يعني ذلك أن لا نستعمل شيئاً
من صنائعهم : فإن ذلك لا يقوله أحد ، وقد كان الناس في عهد النبي صلي الله عليه
وسلم وبعده يلبسون ما يصنعه الكفار من اللباس ، ويستعملون ما يصنعونه من الأواني .
والتشبه بالكفار : هو التشبه بلباسهم ، وحلاهم ، وعاداتهم الخاصة
، وليس معناه أن لا نركب ما يركبون ، أو لا نلبس ما يلبسون ، لكن إذا كانوا يركبون
على صفة معينة خاصة بهم فلا نركب على هذه الصفة ، وإذا كانوا يفصلون الثياب على صفة
معينة خاصة بهم فلا نفصل على هذا التفصيل ، وإن كنا نركب مثل السيارة التي يركبونها
، ونفصل من نوع النسيج الذي يفصلون منه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال 177 ) .
وقال :
مقياس التشبه أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به ،
فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم ، أما ما انتشر بين المسلمين وصار
لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً ، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه إلا أن
يكون محرماً من جهة أخرى ، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال 198 ) .
وفي جواب على السؤال (
21694 ) تجد تفصيلاً لحكم التشبه بالكفار وضوابطه ، وانظر تفصيلا – كذلك – في
جواب السؤال رقم : ( 43160 ) .
رابعاً :
في حضارة غير المسلمين النافع والضار ، فلا نترك النافع منها
ونأخذ الضار ، وقد لخَّص هذا الموقف الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – فقال :
إن الموقف من الحضارة الغربية ينحصر في أربعة أقسام لا خامس لها
:
الأول : ترك الحضارة نافعها وضارها .
الثاني : أخذها كلها ضارها ونافعها .
الثالث : أخذ ضارها دون نافعها .
الرابع : أخذ نافعها وترك ضارها .
فنجد الثلاثة الأولى باطلة بلا شك ، وواحداً فيها صحيحاً بلا شك
وهو الأخير .
" أضواء البيان " ( 4 / 382 ) .
خامساً :
وأما قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " ما رآه المسلمون
حسناً فهو عند الله حسن " ، فليس المراد منه التحسين العقلي المخالف للشرع ، فقد
قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : " من استحسن فقد شرع " ، وليس المراد منه
التحسين الذي يراه واحد من الناس دون عامتهم ، ، بل هذا الكلام يمكن حمله على أحد
معنين ، كلاهما صحيح :
1- أن المراد بذلك العمل بالعرف الذي لا يخالف الشرع .
2- أن المراد بذلك حجية الإجماع ، فإذا أجمع المسلمون على استحسان
شيء فهذا الإجماع حجة ، فيكون هذا الشيء حسناً في حكم الله تعالى ، وهذا قد يدل
عليه قوله : " ما رآه المسلمون حسناً "
انظر المبسوط للسرخسي (12/138) ، الفروسية لابن القيم (ص298)
هذا إذا اعتبرنا كلام ابن مسعود رضي الله عنه عاماً في جميع
المسلمين ، مع أنه قد يظهر من سياق كلامه أنه يعني بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم دون غيرهم . ونص كلامه : ( إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ
فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ
الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ
فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ
خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ ، يُقَاتِلُونَ
عَلَى دِينِهِ ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ
، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ ) رواه أحمد ( 3418
) وحسّنه الشيخ الألباني في " تخريج الطحاوية " ( 530 ) .
وعلى أي حال لا يصح الاستدلال بكلام ابن مسعود رضي الله عنه على
استحسان ما حرمه الشرع كالتشبه بالمشركين .
والله أعلم .
منقول من الإسلام سؤال وجواب